٨ يوليو ٢٠٢١
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معروف ببراغماتيته المطلقة سواء داخل تركيا أو خارجها وهذا ما تحدثت عنه مرارا وتكرارا في طروحات عديدة سابقة مغازلته لمصر والمملكة العربية السعودية وإسرائيل ليست جديدة في الواقع لن أكرر نفسي ولكن هذا المقال سأحول فيه سرد مواقف بابا رجب المتقلبة والتي تثبت حتى فشل براغماتيته
هناك تصريح لوزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نقلته وكالة الأناضول للأنباء التركية حيث قال: "لا حاجة لوجدنا العسكري في سوريا" معنى هذا التصريح أن قطر تعترف بأنها كانت متواجدة في الأراضي السورية وهذا لم يكن جديدا ولا مخفيا فوزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم قال ذلك علنيا في مقابلة له على قناة قطر الرسمية وقال في حينها أن تواجد قطر في سوريا كان بتعاون مع تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وذلك دعما للمعارضة السورية ما يعنينا هنا أن تركيا كانت مستفيدة من هذا التعاون حيث كانت تشتري النفط والغاز من الفصائل العسكرية المسلحة ومنها جبهة النصرة وداعش وحتى القاعدة في تلك المرحلة التي سبقت تدخل روسيا في سوريا وعندما تحركت روسيا للتدخل في سوريا هاجم بابا رجب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحذره من التدخل في سوريا وكان يرفض اي تدخل لروسيا كونه يستفيد من النفط لكن مجرد ان اعلن بوتين تدخله عسكريا في سوريا عام ٢٠١٤ اتخذ اول قرار باستهداف مئات ناقلات النفط برا والتي نشر صورها عبر الأقمار الصناعية من قبل روسيا والتي اثبتت نقل النفط والغاز من سوريا الى تركيا وعندما تم استهدافها ارتفع صوت بابا رجب اكثر ضد روسيا الى ان تم أسقاط طائرة ميغ روسية،
من بعد ذلك كان اول من عرف مفتاح بابا رجب وكيفية التعامل معه هو بوتين اذ اعلن عن مقاطعة شاملة لكافة المنتجات التركية بل اكثر من ذلك منع السياح الروس من زيارة تركيا تسبب هذا الأمر في خسائر ضخمة لم يستطع الاقتصاد التركي الخروج منها سالما الأمر الذي جعل بابا رجب يذهب زاحفا الى موسكو ويعتذر عن اسقاط الطائرة الروسية وفوق كل ذلك منح الجانب الروسي مدينة حلب والتي كانت أحد أهم معاقل المعارضة السورية وما هي الا ايام وتسيطر روسيا على حلب كعربون محبة كل ذلك أملاً في عودة العلاقات التجارية والتي كانت تركيا اكبر من يستفيد منها من بعد ذلك اصبح اردوغان يحترم كل قرارت روسيا ويذهب للتفاوض في سوتشي رفقة الإيرانيين والروس بل عقد معهم صفقة S400 ولا استبعد كذلك قيام رئيس جهاز الاستخبارات التركية #هاكان_فيدان بالاتصال مع رئيس جهاز المخابرات السورية #علي_مملوك لمد يد الصلح مع نظام بشار الأسد،
نفس الأمر تكرر في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب اذ جميعكم يعرف قصة القس الأمريكي بورينسون والذي اعتقلته السلطات التركية وهددت وتوعدت انه لن يطلق سراحه حتى اخر يوم في رئاسة أردوغان الأمر الذي جعل ترامب يغرد مهددا بعقوبات اقتصادية قاسية تسببت بانهيار الليرة التركية بنسبة ٢٠٪ هنا سلم اردوغان القس الأمريكي خلال ايام بل قام بابا رجب بمهاجمة رجل الأعمال الأمريكي جورج سوروس (أشد المعارضين لترمب) حيث اتهمه انه يقود مظاهرات في تركيا الأمر الذي جعل من سوروس يسحب كافة استثمارته من تركيا ومن بعدها اصبح اردوغان يتحاشى اغضاب ترامب خشية انهيار اقتصاده،
وسنجد أن نفس الأمر يتكرر مع إسرائيل حيث هاجم اردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو مرارا وتكرارا وقطع العلاقات الدبلوماسية إلا أن المأزق الذي وضعت فيه تركيا في شرق المتوسط جعلت أردوغان يتراجع ويعين سفير جديد له في تل أبيب ويطلب التعاون من جديد مع إسرائيل،
في شهر يوليو من العام الماضي كتبت في خضم التدخلات التركية في ليبيا وارتفاع صوت اردوغان وإعلامه بمهاجمة مصر والسعودية والإمارات ذكرت ان اللغة التي يفهمها اردوغان هي التهديد والتركيز على نقطة ضعفه وهي الاقتصاد عندها يتغير فورا ويقدم احترامه وفعلا تحقق توقعي الذي راهنت عليه ان خلال اشهر سوف يتغير ويطلب ود السعودية ومصر والإمارات وإسرائيل وكما سلم حلب للروس كعربون محبة وكما سلم اردوغان القس الأمريكي وقام بالاستغتاء عن عدو ترامب جورج سوروس كي يكسب ثقة ترامب وكما أعاد العلاقات مع إسرائيل نجده الان يطلب ود مصر بقوة والسعودية والامارات بطريقة غير مباشرة من خلال تسليم قيادات جماعة #الإخوان_المسلمين المنتهية الصلاحية المقيمين في بلاده كعربون مبدأي،
وستعرفون الان سبب التغير الحملات الشعبية السعودية التي طالبت بمقاطعة البضائع التركية تسببت بانخفاض قيمة الواردات التركية للمملكة في ديسمبر الماضي إلى أدنى مستوى لها في عام واحد حيث كانت الواردات التركية في ديسمبر من عام ٢٠١٩ تقدر ب ١.٠٦ مليار ريال سعودي لتنخفض في ديسمبر من عام ٢٠٢٠ ل ٥٠.٦ مليون ريال سعودي حسب وكالة رويترز حيث خسرت تركيا كثيرا لدرجة ان الموضوع تمت مناقشته في البرلمان التركي وكان رد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو "ما باليد حيلة" وفي الحقيقة ان ما جلبته سياسات اردوغان لتركيا كانت سببا في ذلك،
وكذلك مصر التي قامت بعمل اتفاق مع اليونان اذ قطعت الطريق عن أهداف اردوغان بالتنقيب عن مصادر الطاقة في شرق المتوسط وأصبح لا يستطيع عمل شي الا بعد إذن مصر ناهيك عن الموقف المصري الصارم ضد الاطماع التركية في ليبيا هنا ادرك اردوغان ان معركته بإغضاب السعودية ومصر والإمارات خاسرة فقرر تغيير جذري لسياسته مقدما رموز جماعة الإخوان عربون محبة وهذا يدل ان الصرامة واستخدام نقطة ضعف اردوغان وهي اقتصاده هي أفضل علاج لسلوكه في المنطقة لكن هنا يجب أخذ الحيطة والحذر من سياسة هذا الرجل المتقلبة وبالتالي يصبح من الصعب جدا الوثوق به حيث بمجرد ان يعود اقتصاده ربما يعود الى ما يخفي ما في قلبه لذلك لا يعني انه رجع وصحح اخطاء سابقة ان يمنح الثقة كاملة بل يجب الحذر بالتعامل معه لكن كيف؟!،
كتبت عن ذلك مرارا حيث يجب ابقاء الاقتصاد التركي على جهاز الإنعاش بحيث لا يتم ضخ كميات كبيرة من الأموال في ظل إدارة اردوغان ومن المهم كذلك فتح قنوات اتصال مع المعارضة التركية للابقاء على التوازن والتفريق بين تركيا الدولة والمؤسسة وتركيا في ظل نظام أردوغان البراغماتي.