لمن يزعم أن حركة طالبان صوفية وليست سلفية هذا المقال سيكون شرحا لمذهب طالبان الحقيقي ومن خلاله نفهم لماذا سلكت هذه الجماعة العنف الديني وحكمت بالشريعة السلفية التي يرفعها التكفيريون الآخرون بالشرق الأوسط ومنهم جماعة الإخوان المسلمين المنتهية الصلاحية ومن خلال المقال سنرى أصل هذه الحركة وجذورها التاريخية
من مظاهر عدم ارتباط حركة طالبان بالصوفية أنها تمنع الاحتفال بالمولد النبوي ولا تعتمد زيارة الأضرحة وتمنع بناء الشواهد على القبور هذا السلوك الطالباني سلفي صرف حيث تعود جذوره للحركة الديوباندية الهندية التي نشأت في القرن التاسع عشر وامتدت داخل باكستان التي كانت مصدرا لنشر فكر طالبان بأفغانستان لاحقا
الاحتلال البريطاني للهند هو الذي دعم الحركة الديوباندية السلفية في مهدها مثلما دعم الحركة السلفية لاحقا في شبه الجزيرة العربية التي أنتجت الوهابية وهو الذي دعا لقيام الجمعيات الدينية في مصر كالجمعية الشرعية وأنصار السنة والشبان المسلمين والإخوان المسلمين وغيرهم بهدف التقرب للشعوب وتدجينهم وإقناعهم بعدم الثورة على الحكم البريطاني سواء في الهند أو الشرق الأوسط عموما
الحركة الديوباندية السلفية الهندية تعد الأب الروحي لحركة طالبان وقتها كانت باكستان جزءا من الهند اواخر القرن التاسع فنشأت طالبان في أجواء استقلال إسلامي باكستاني عن الهندوسية ولأن الحركة أسست سلسلة مدارس إسلامية سلفية كان من أهم ما تعلموه حروب الاستقلال على أساس ديني وهو ما يميز طالبان الحركة الديوباندية السلفية نشأت على المذهب الحنفي الماتوريدي خلافا لمدرسة الجامع الأحمر الباكستانية الحنبلية حدث تنافس بين المدرستين لكنه لم يصل لحد العنف لسبق اشتراكهم في المذهب السلفي الأساسي الذي قد يقبل الأحناف المؤمنين بتطبيق الشريعة الحرفية التي دعا لها رجال دين مسلمين كمحمد بن عبدالوهاب السعودي المذهب الحنفي المعاصر مختلف عن المذهب الحنفي الأول الذي أسسه أبي حنيفة النعمان فأبي حنيفة لم يؤمن بقدسية الحديث وآمن بحجية العقل لكن الأحناف المتأخرين انقلبوا على هذا المذهب وسلكوا منهجية أهل الحديث بالكلية عقب إصدار القرار العباسي بالوثيقة القادرية عام ٤٠٨ ه
الوثيقة القادرية أصدرها الخليفة العباسي القادر بالله وكانت تأمر باتباع أهل الحديث وتجريم كل مخالفيهم من المعتزلة والشيعة وأهل الرأي فأجبر ذلك الأحناف على تغيير مذهبهم وبدء انقلاب في الفكر الحنفي يرى ضرورة تقديس الروايات وأشهر تلك الانقلابات حدثت على يد السرخسي السرخسي المتوفي عام ٤٠٩ ه كان تركمانيا من أشهر مؤسسي المذهب الحنفي بل هو عمدة الأحناف المعاصرين في كتابه الفقهي (المبسوط) فمن خلال هذا الكتاب نجح السرخسي في اختراع مذهب حنفي جديد يغلب عليه طابع المحدثين خضوعا لقرار الخليفة العباسي بالأصل
حركة طالبان حنفية بالفعل لكن المذهب الذي تتبعه لا يختلف عن مذهب أهل الحديث ويشبه منهجية تفكير الحنابلة خصوصا في الشأن السياسي وتصورهم للشريعة والحاكمية والآخر والمرأة والأقليات..إلخ وقد تأثرت الحركة بفكر ابن عبدالوهاب بترويج ما يسمى بالدولة الإسلامية وحراسة العقيدة..إلخ
سلسلة المدارس الدينية التي نشأت في الهند وباكستان كانت ضخمة جدا وشملت معظم أراضي المسلمين ومن تلك المدارس خرجت طالبان بعد حروب الاستقلال الباكستانية فاكتسبت طالبان عداءا وراثيا ضد الهند من ناحية وضد كل ما يخالف الشريعة التي تعلموها في المدارس من ناحية أخرى المدارس الدينية التي أخرجت طالبان كانت هي مركز الفتوى الرئيسي وليست الدولة فباكستان كدولة لم تكن مصدرا دينيا عند الشعب ولا مؤسساتها الرسمية بل تَبِعَ الشعب الباكستاني فقهاء الديوباندية والجامع الأحمر ومن خلالهما ظهرت الجماعة الإسلامية التي هي إخوان باكستان شيوخ الحركة الديوباندية الذين صنعوا طالبان كانت لهم معارك فكرية ضد العلمانيين الأفغان والباكستانيين وصلت لحد التكفير بالسبعينات وعندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الجهاد الأفغاني ضد السوفييت تطور نفوذ الحركة وأخذ بعدا شعبيا هو الذي ساهم بعد ذلك في سيطرتهم على أفغانستان بالتسعينات
فقهاء الصوفية الهنود الذين رأوا اهتمام الديوبانديين بالسياسة والحُكم تمردوا على هذا المذهب فخرجوا بجماعة جديدة تجمع بين الأخلاق الصوفية ومذهب أهل الحديث الديوباندي فكانت جماعة (التبليغ والدعوة) وهي التي تعاونت مع طالبان اجتماعيا فقط لكن لم تتعاون معها في السياسة ضعف العلمانيين الأفغان والباكستانيين هو السر في رواج وانتشار طالبان فالدولة لم تدعمهم مقابل انتشار كاسح لمدارس الديوباندية الدينية شبيه بما يحدث في مصر حين انتشرت مدارس الأزهر الدينية انتشارا كاسحا وبدعم من الدولة مما أدى لانقلاب سلفي هو المسيطر على المصريين إلى اليوم
مصر كانت مرشحة لتكرار النموذج الأفغاني لولا تسرع الجهاديين بقتل رموز الدولة ومسؤوليها ونخبتها إضافة للسياح والأقباط حيث صنع ذلك نقمة شعبية عليهم دفعت كثيرامن السلفيين والجماعات للحذر من إبداء قناعاتهم ونقد الجهاديين في الظاهر وهو الذي أدى لتأخير أفغنة مصر عشرات السنين بعد ثورة يناير ٢٠١١ في مصر تحالف الإخوان والسلفيين بكافة طوائفهم وتنوعاتهم الفكرية والسياسية إضافة لبعض الأزهريين لإنشاء دولة دينية على غرار الحركة الديوباندية الهندية ونموذج طالبان لكن التحالف وقع في سلسلة أخطاء سياسية دفعت الجيش لعزله وتشجيع الثورة عليه في يونيو عام ٢٠١٣
توجد آلاف من المدارس الديوباندية على مستوى العالم تخرج فكر طالبان كل يوم ترعاها ما تسمى جمعية علماء الإسلام أي ليس محصورا فقط على أفغانستان بالضبط كما توجد آلاف من مدارس الأزهر التي تخرج سلفيين يؤمنون بتطبيق الشريعة السلفية والتقليد الحرفي الإرهابي
حركة طالبان لم تقوم على أساس مالي ودعم خارجي كما هو شائع بل قامت على جهود محلية وتبرعات شعبية عدم اعتماد طالبان على أموال الخارج صنع لها شعبية كبيرة ووجود أخلاقي مميز في باكستان وأفغانستان حتى أنه يمكن ملاحظة دعم إيراني جزئي للحركة في مقاومتها لأمريكا وتصريحات مسؤولي إيران الإيجابية تجاه زعمائها بعد رحيل الأمريكيين وتلك قصة أخرى مختلفة
يُرجى العلم أن الحركة الديوباندية الهندية التي أسست طالبان لم تكن متشددة في تطبيق تعاليمها بالبداية لكنها تشددت وصارت أكثر عدوانية بعد حروب الاستقلال الباكستانية ضد الهند ويمكن اعتبار أن تاريخ ظهور الجماعات الجهادية في آسيا الوسطى بصفة عامة كان مرتبطا بتلك الحروب ولولا الاحتلال السوفيتي ثم الأمريكي ما كان لطالبان أن تحكم أو تظهر في الصورة أو يكون لفقهاء الحركة الديوباندية أي نفوذ سياسي ولا لمدارسهم أي نفوذ سلطوي لكن الفوضى والظلم الذي صنعهما الاحتلال هو الذي مكّن لطالبان للظهور ومن ثم الانتشار ومن ثم الحُكم والسيادة.
No comments:
Post a Comment