Sunday 19 December 2021

سياسة الأرض المحروقة!

١٨ ديسمبر ٢٠٢١

من واقع رأي لصديقي رائد الريموني عن ما يحصل في تركيا حول أن تركيا دولة مؤسسات وما يحصل هي زوبعة سياسية معارضة للرئيس #رجب_طيب_أردوغان تعليقي سيكون تفصيلا منقول بتصرف لأنني لست خبيرا اقتصاديا واحتجت لمساعدة في فهم التفاصيل الاقتصادية لكي اشرح فكرتي:

مبدأيا ‏الحكومة التركية رفعت الحد الادنى للأجور بشكل غير مسبوق بنسبة ٥٠٪ من ٢٨٥٠ ليرة تركية إلى ٤٢٥٠ ليرة تركية أي أنها اعترفت ان نسبة التخضم الحقيقي ٥٠٪ وليس ٢١٪ كما هي النسبة المعلنة من قبل الحكومة! رغم ذلك فإن الحد الادنى للأجور الان يساوي ٢٦٥ دولار مقابل ٣٧٠ دولار العام الماضي عند ٢٨٥٠ ليرة تركية عندما كان سعر الدولار ٧.٥ 
هذا الانهيار سببه فقدان الثقة في سياسة الحكومة
الحكومة يمكنها إنقاذ الليرة التركية إن هي غيرت سياساتها وأعلنت استقلال البنك المركزي؟
لكن لا يمكنها إنقاذ الناس من الفقر بعد الان!

تركيا دولة ذات مدخرات قليلة وذلك لأنها ليس لها ثروات طبيعية تصدرها (معادن أو بترول) والشعب التركي يميل للاستهلاك حتى لو بالاستدانة لأن مستوى المعيشة الاجتماعية يقارب المستوى الاوروبي لذا فإن تركيا من أجل بناء البنية التحتية والنمو تحتاج للاقتراض من الخارج بالعملة الصعية سعر الليرة التركية مع الدولار يتم تحديده بناء على العرض والطلب المحلي داخل تركيا فكلما زادت كمية الدولار في تركيا زاد عرضه فتراجع سعره أمام الليرة التركية وبذلك الليرة تقوى والعكس كلما زاد الطلب على الدولار يزيد سعره وينخفض الطلب على الليرة وبالتالي ينخفض الليرة

لفهم طبيعة الاقتصاد التركي يجب فهم موارده الموارد للدولار في تركيا هي:
التصدير، السياحة، الاستثمار الأجنبي الأموال السائلة المستخدمة لشراء السندات والأسهم التي يمكن بيعها سريعا والاستثمارات للشراء من عقارات ومصانع وشركات واستدانة البنوك التركية من الخارج كلما زادت هذه الموارد كلما زاد الدولار وتعزز قيمة الليرة التركية في السنوات الاخيرة تراجع الاستثمار في تركيا بسبب تسييس القضاء وبدأت شركات الاستثمار تسحب أموالها وكذلك بسبب رفع نسب الفائدة في الدول الاجنبية فذهبت الاموال إليها بدلا من تركيا كما أن زيادة الديون التركية الخارجية بدأت تضغط لخروج الدولار لسداد هذه الاموال في الخارج يضاف إلى ذلك تراجع السياحة بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد كوفيد١٩ وبقاء الواردات التي تشتريها تركيا بالدولار أكبر من الصادرات مما يجعل هنا عجزا في ميزان التجارة الخارجية وعليه بدأت كميات الدولار في تركيا تتراجع ومعها يتراجع سعر الليرة التركية بسبب زيادة الاقبال على الدولار الذي بدأ يشح في السوق
‏خلال السنتين الماضيتين بدأت الحكومة التركية في بيع الدولار من البنك المركزي لتوفير الدولار في السوق وتعويض الدولار الذي يخرج من أجل الحفاظ على سعر الليرة التركية وأنفقت ١٢٨ مليار دولار كانت كل احتياطات البنك المركزي وبعدها تراجعت قدرة البنك المركزي على التدخل لانقاذ الليرة التركية حاولت الحكومة التركية تعويض مخزون البنك المركزي من العملة الصعبة من خلال الاستدانة عبر آلية التبادل SWAP من عدد من الدول مثل قطر والصين وكوريا الجنوبية وبالبنوك المحلية ومؤخرا اضطر اردوغان شخصيا للاتصال مع إلون ماسك لكن مع ذلك استمر النزيف في كميات الدولار بسبب زيادة الطلب علية
فالمستثمرون الاجانب فقدوا ثقتهم في سياسات الحكومة خصوصا مع إعلان الرئيس أردوغان نيته خفض الفائدة على الليرة التركية وهذا يعني أن المستثمر الاجنبي لن يربح المال اذا اشترى سندات تركية فبدأ ببيع سنداته واستثماراته وتحويلها إلى دولار وسحب هذا الدولار فاستمر خروج الدولار
‏لكن مع بدء سياسة خفض سعر الفائدة دخل العامل الداخلي على الخط فالمواطن التركي والمقيم بدأ يسحب أمواله التي أودعها في البنوك بالليرة لأن الفائدة انخفضت وأصبحت أقل من سعر التضخم (الفائدة التي سيربحها ١٥٪ بينما التضخم وهو تراجع قوة الشراء زاد عن ٢٠٪ رسميا و٥٠٪ عمليا)
‏هنا بدأ المواطن والمقيم في تركيا بتحويل أمواله من الليرة إلى الدولار كي لا يخسر قيمتها وهذا زاد الطلب على الدولار محليا وزاد من سعره فكلما انخفض سعر الفائدة زاد سعر الدولار بسبب تحويل المواطنين والمقيمين مدخراتهم إلى دولار
‏وفي شهر نوفمبر الماضي باتت نسبة الدولار من مجموع مدخرات الاتراك (مجموع كل الأموال في البنوك التركية) ٦٣٪ وهي نسبة كبيرة جدا ومازالت في ارتفاع. وهكذا دخلت تركيا في حلقة مفرغة فكلما انفض سعر الفائدة البنكية يهرول الاتراك لشراء الدولار للحفاظ على قيمة مدخراتهم أيضا كلما ارتفع سعر الدولار مقابل الليرة (أو العكس إذا أحببت يعني انخفضت سعر الليرة التركية مقابل الدولار) فإن جميع البضائع المستوردة ومنها البنزين وكثير من المواد الغذائية زاد سعرها بالليرة التركية بقدر ارتفاع سعر الدولار وزاد معها التضخم
‏ومع عدم وضوح أو إعلان الهدف النهائي من خفض الفائدة (هل سيتم خفضها إلى ١٠٪ أو ٥٪ أو صفر٪؟) فإن الصورة تجذرت في تركيا بأن استمرار ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة سيستمر، وهذا يدعو مزيد من المواطنين لشراء الدولار من جديد. وبات العامل المحلي هو المحدد لسعر الدولار
حاليا تراجعت الاستثمارات الخارجية إلى أقل مستوى ولم يعد سحب المستثمر الاجنبي لنقوده يؤثر على سعر الدولار لأنه ما عاد هناك أموال مستثمرة بحجم مؤثر وارتفاع الدولار مرتبط فقط بهجوم الاتراك والمقيمين على شراء الدولار للاحتياط ومواجهة غلاء الاسعار لذا فإن محاولات البنك المركزي التركي بيع مالديها من دولار (مستدان وليس ملكه) ما عادت تفيد في كبح صعود الدولار لأن الطلب عليه في ازدياد مستمر وتنتظر الحكومة أن تهدأ هذه الموجة دون فائدة. أي أنها تنتظر أن يتحول جميع مدخرات المواطنين إلى دولار حتى لا يبقى ليرة يبيعونها!
أي أن تركيا دخلت حالة ما يعرف بال dollarization وتراهن الحكومة على عودة السياحة وعودة المستثمرين الاجانب لشراء العقارات والشركات التي باتت رخصية أو مفلسة وزيادة صادرات المنتوجات التركية الرخصية من أجل من الخارج من جديد وهو رهان خطير قد يتحقق أو لا يتحقق
‏لكن حتى لو سارت الامور على أفضل ما يكون وانهالت طلبات شراء العقارات والشركات من الخارج وزاد التصدير وتراجع الاستيراد بسبب ضعف القوة الشرائية، فإن عقبات أخرى تقف دون تحقق رهان الحكومة، ومنها: المواطن التركي الذي يرى أن سعر الفائدة بات عند ١٤٪ بدأ بسحب القروض بالليرة بهذا السعر وتحويل هذا المال إلى دولار أملا في تحقيق أرباح وهذا زاد الطلب على الدولار أيضا. بل ان البنك المركزي يقرض البنوك الليرة بسعر ١٤٪ لكن نفس البنوك ترفض إقراض الحكومة بسعر فائدة أقل من ٢٢٪ كما أن رهان الحكومة متعلق بتحقيق نحو ٣٠ مليار دولار على الاقل من فائض التصدير والاستثمارات الاجنبية في شراء العقارات والشركات، وطفرة السياحة، وأن يحدث ذلك قبل موعد الانتخابات القادمة أي قبل ١٨ شهر وهو أمر صعب لكن في حال نجحت الحكومة في تحقيق رهانها وهو أمر غاية في الصعوية أو تغيرت الحكومة وجاءت حكومة ترفع سعر الفائدة فإن سعر الليرة التركية سيصعد من جديد أمام الدولار وستنتهي فقاعة الدولار وتعود الليرة التركية إلى سعر ١٢ للدولار الواحد وهو سعرها الحقيقي.

No comments:

Post a Comment

Das Schweigen von Bundeskanzlerin Merkel ist ebenso traurig wie es ein Spiegelbild dessen ist, was ich die dunkle Seite von Merkels politischer Persönlichkeit nenne!

Vor drei Jahren verließ die ehemalige Bundeskanzlerin Angela Merkel scheinbar freiwillig, aber nicht ganz so freiwillig Merkel hinterließ de...