١٦ يناير ٢٠٢١
اذا أردنا أن نفهم الحاضر فلا بد أن نستوعب هرمية الماضي وهذا ما لم تفعله معظم النخب السياسية فضلا عن العامة التي تتعامل مع ما يجري في بلاد العم سام بسطحية وسذاجة والحدث أكبر وأعمق من شخص الرئيس الأمريكي #دونالد_ترمب ومن مجرد إنتخابات رئاسية توصيف ما يحصل داخل المجتمع الأمريكي انقسام عرقي وايدولوجي حادّ جدا وربما يصعب معالجته في المنظور القريب وامريكا بعد هذه الإنتخابات لن تكون كما قبلها وسأنطلق في مقالي هذا من جملة قالها ترمب أثناء حفل تنصيبه ومن دعوة الرئيس المنتخب #جوزيف_بايدن،
السطحية التي تتعامل بها معظم النخب والمعلقين والكتّاب مع انتخابات نوفمبر المثيرة للإهتمام نظرا لسطحيتها المفرطة الأمر بالنسبة لهم هو أن امريكا دولة المؤسسات العظيمة ابتليت برئيس نزق عن طريق الخطأ وبالتالي يجب التخلص منه بأي ثمن وتعود الأمور لطبيعتها هكذا بسذاجة لو أن هذا الطرح جاء من الذين دخلوا على خط الإنتخابات بعدما أصبحت مادة مثيرة رغم أنهم لا علاقة لهم بهذا الشأن لكان الأمر يسيرا لكن المصيبة أن هذا الطرح السطحي تبنّته نخب يفترض أنها مختصة بالسياسة ودهاليزها وتفهم في الشأن السياسي لامريكا وتعرف خلفيات كل ما يحدث اليوم،
دونالد جون ترمب قال جملة استوقفتني في حينها حيث قال: "نحن اليوم نستعيد أمريكا ليس للجمهوريين نحن اليوم استعدنا واشنطن ليس من الديمقراطيين بل من مجموعة لا تؤمن بأميركا ونحن نعيدها لكم أنتم أيها الأمريكان" هذه الكلمات لم يتبناها الحزب الجمهوري فدعيات الحزب الجمهوري التقليدية لنجعل أمريكا عظيمة أخرى وامريكا اولا تم استخدامها كدعاية للرئيسين رونالد ريغان وبوش الأب ولم يكن رجل الأعمال ترمب من يتمناها ترمب كان الشخص الشعبوي الذي أراده الحزب الجمهوري الذي دخل انتخابات عام ٢٠١٦ مفككا وقد مل الأمريكي سياسيي واشنطن الذين باتوا بعيدين عن شوارعهم ومجتمعهم فترمب لم يأت عن طريق الخطأ فقد فاز بالرئاسة بعد أن أصبحت امريكا مهيئة لانتخاب شخصية شعبوية وطنية تدافع عن المهمشين الذين شعروا بأن امريكا أفلتت من قبضة الرجل الأبيض وذلك بعد فوز #باراك_أوباما وتبنّيه نهجا يساريا سحب معه الحزب الديمقراطي من الإعتدال الليبرالي الذي توقف مع آخر وسطييها #بيل_كلينتون ليقوده لأقصى اليسار،
ما نشهده اليوم من انقسام حادّ كانت بدايته مع فوز اوباما بالرئاسة قبل ١٢ عاما فحينها شعر البيض بالخطر وزادت حوادث العنف من الشرطة ضد السود لأنهم كانوا في حالة خوف والخائف يشعر بالخطر فيبدأ الهجوم وهذه طبيعة بشرية وكانت الحادثة الأبرز قتل شاب أبيض متطرف لمجموعة من السود وهم يتعبدون في كنيسة عهد اوباما أيقظ مارد الرجل الأبيض الذي كان كامنا منذ ستينات القرن الماضي في أوقات سياسة الفصل العنصري فكان هناك استعداد لانتخاب المرشح الذي يخاطب هذا المارد وكان المرشح هو ترمب بسبب نصيحة مستشاره المتطرف #ستيف_بانون وهذه بالمناسبة لعنة لم تصب بلاد العم سام وحسب بل معظم دول العالم الأول أو بشكل أدق دول العالم الغربي فجاء ترمب ونفذّ وعوده لناخبيه بما فيها بناء الجدار العازل بين الولايات المتحدة الأمريكية 🇺🇲 و #المكسيك 🇲🇽 (الذي بدأت فكرته أساسا من متطرفيي الحزب الديمقراطي)،
سطحية النخب والمعلقين تزعم أن أنصار ترمب هم النازيين السكارى فقط!!! وهذا تبسيط مخلّ فهؤلاء المتطرفين البيض يمثلون شريحة فقط من أنصاره وهناك شرائح أخرى تضم الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال والساسة على المستوى الفيدرالي في الكونجرس وعلى مستوى الولايات ترمب ليس شخص معتوه يمثل المتطرفين البيض بل (فكرة) عمادها أن امريكا تم بنائها وتحويلها إلى امبراطورية تحكم العالم على يد الرجل الأبيض القادم من اوروبا وهذا صحيح بدءا من الآباء المؤسسين قبل أكثر من قرنين وحتى ستينات القرن الماضي عندما تم إقرار قانون المساواة بين السود والبيض كثيرا ما يقال إن الأوروبي الأبيض المهاجر يتساوى مع أي مهاجر آخر وهذا زعم غير صحيح فالرجل الأبيض استوطن قارة معزولة يعيش السكان الأصليين في أجزاء منها حياة بدائية ورغم الجرائم التي ارتكبوها بحق السكان الأصليين وهي جرائم وحشية وغير مقبولة في معايير الحياة الحالية المعاشة ولكنها مختلفة عن تلك الحقبات التاريخية التي كانت كل دولة تقوب بذات الشيء لبناء مجتمعات ودول إلا أننا ننكر التاريخ أن ذلك الأوروبي المهاجر هو الذي عمرها وبنى فيها دولة مؤسسات متحضّرة أضحت أعتى قوة عالمية،
ذات مرة ظهر رجل من السكان الأصليين كان طالب دكتوراه في جامعة ولاية ميتشجن وسئل بصراحة: (هل تشعر بغضب من البيض بسبب الجرائم التي ارتكبوها بحق أسلافك؟!) فأجاب الماضي انتهى ولو لم يأتي البيض لامريكا لكنّا حتى اليوم نعيش حياة بدائية نصطاد البافولو بالسهام وكنا سنبقى معزولين عن العالم ما تشهده امريكا من احداث جنونية تستعصي على فهم البعض له خلفيات مهدّت له على مدى سنوات فالإنقسام عميق وخطير وهو ليس انقساما سياسيا حزبيا بين الجمهوريين والديمقراطيين بل انقسام اجتماعي عرقي وايدولوجي حادّ جدا بين البيض ومن يتحالف معهم من الأقليات وبين المهاجرين واليساريين البيض خطورة الإنقسام الحالي هو أن البيض المحافظين والذين لا زالوا هم الأغلبية ويملكون معظم النفوذ والمال ويؤمنون أنهم أحفاد من بنى امريكا لن يتقبلوا أن تفلت منهم امريكا للمهاجرين مثل كامالا هاريس والهان عمر ولليساريين البيض الذين يرونهم كارهين لامريكا وعملاء للخارج (هذه رؤيتهم)،
البيض المحافظين يرون أن ترمب هو المُخلّص ويؤمنون ايمانا قاطعا أنه إن ذهب فسيفلت حكم امريكا منهم للمهاجرين واليسار الخائن للأبد وبالتالي فالقضية بالنسبة لهم حرب وليست انتخابات والحكومة تعلم ذلك ولذا تتعامل مع الأمر كمعركة حربية تشاهدون واشنطن دي سي اليوم ثكنة عسكرية رغم أن فرض حالة الطوارئ اجراء روتيني عند تنصيب أي رئيس جديد لكن إنزال أكثر من ٢٥ ألف عسكري للعاصمة حدثا ينظر بعدم صحة ما يحصل،
وعلى الجانب الآخر الرئيس الأمريكي المنتخب #جو_بايدن يقول ويدعي أنه جاء ليوحد الأمريكان لكنه لم يوضح على أي قيم هل هي قيم اليسار الراديكالي الذي يتبناه الحزب الديمقراطي أم أنها قيم الرجل الأبيض العنصري الذي يؤمن فيه بايدن نفسه أم قيم الآباء المؤسسين الذين كانوا من المحافظين الجمهوريين ولذلك باتت دعايتهم ساذجة على الأقل بنفس القدر الذي يصف بها الطرف الآخر.
No comments:
Post a Comment