١٧ ديسمبر ٢٠٢١
من يعتقد أن هناك إنسان كامل فهو/هي بدون شك خاطئ، تقريبا معظم المعلقين في الشؤون السياسية سواء في أوروبا او الولايات المتحدة او في العالم أشادوا بالسيدة ميركل العظيمة وهي بلا شك قدمت نموذجا ودرسا ألمانياً فريدا إلا أن كل إنسان مر ويمر وسيمر على عالمنا له ما له وعليه ما عليه وهذه سمة بشرية متجددة،
في عام ١٩٩٨ وفي أعقاب فضيحة ما سمي آنذاك ب (المال الأسود) وهي فضيحة تمويل أكبر أحزاب ألمانيا الإتحاد المسيحي الديمقراطي بقيادة المستشار الراحل العظيم #هيلموت_كول اضطر السيد كول في وقتها لاعتزال السياسة لتنتهي حقبة مهمة من تاريخ ألمانيا ليس سياسيا فقط بل أنها كانت حقبة وجودية حيث تمت في تلك الفترة:
أولا: إتحاد الحزبين التوأم المسيحي الديمقراطي والمسيحي الإجتماعي الموجود فقط في ولاية بافاريا في كتلة برلمانية واحدة وقرار سيادي واحد
ثانيا: إعادة توحيد الألمانيتين اللتين وقعتا إحدى ضحايا الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي
ثالثا: توحيد الإتحاد الأوروبي ضمن مجموعة متكامل اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا،
لكن اعتزال كول للسياسة لم يشكل مأزقا كبيرا للحزب بل أن كول بدهائه السياسي صنع مجموعة سياسية مهنية استطاعت سريعا الخروج من دوامة تراجع الأرقام والفضيحة التي تعرض لها الحزب كانت المجموعة تقودها الدكتورة #أنغيلا_ميركل رفقة السيدة #أورسولا_فون_دير_لاين (رئيسة المفوضية الأوروبية حاليا)، السيدة #يوليا_كلوكنر (شغلت مناصب وزارية عديدة في عهد السيدة ميركل) والسيد #بيتر_ألتيماير (شغل مناصب وازرية عديدة كذلك في عهد السيدة ميركل) ... الخ،
لكن اليوم وبعد انتهاء حقبة السيدة ميركل يجد حزبها الإتحاد المسيحي الديمقراطي نفسه بدون شخصيات سياسية ذات طراز رفيع مع عدم اغفالنا أن الحزب عمل طويلا وما يزال يعمل على لجانه الشبابية وانا منخرط في معظمها بكونني انتمي فكريا لهذا الحزب الذي قدم للمستشارية خمس مستشارين ورجال دولة من طراز رفيع لكن كيف يمكن رؤية مأزق الحزب اليوم الذي شهدت أرقامه تراجعا كبيرا ليس من الانتخابات البرلمانية في سبتمبر الماضي بل حتى في الانتخابات التي سبقتها عام ٢٠١٧،
شخصية السيدة ميركل الهادءة والعلمية جعلتها تعتمد بنسبة كبيرة على الأرقام وفي عالم السياسة الأرقام جزء مشكل ولكنه ليس كل شيء الدكتورة الكيميائية اعتمدت في طريقة ادارتها الحزبية على المعادلات القائمة على واحد زائد واحد يساوي اثنان وهذا لا يتماشي مع السياسات الحزبية التي تطلب دعاية وترويج لسياسات كما ان معادلة السيدة ميركل تتعامل بحتمية الوصول لنتيجة تفادي الأسوء وكأنها قائد ازمات وهذا قد يكون ناجحا في سياسات الدولة خارجيا ربما لكن على المستويين الحزبي والداخلي يكون منافي لمعادلة السياسة المعتمدة على مبدأ (فن الممكن) لذلك حقبة السيدة ميركل لم تنتج عنها سياسيين حتى وان كانوا لا يملكوا الخبرة لكن لا يوجد شخصيات ذات طابع كاريزماتي وهذا ما عملت عليه دوائر احزاب أخرى كحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر وحزب الاشتراكيين الديمقراطيين (بدرجة أقل) ما يزيد الطين بله أن توجه السياسة الدولية تتوجه نحو الأفكار الاشتراكية الديمقراطية والسياسات الخضراء وهذا يتطلب الليبرالية وهذا عكس توجهات حزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي (المحافظ) رغم ان الحزب حاليا يقدم نفسه على انه حزب وسط اليمين،
دوائر القرار اليوم داخل حزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي لا تمتلك تلك الشخصيات الكاريزماتية لاستمرار فرض سياسة وسط اليمين وهنا برز اسم #فريدريك_ميرز السياسي المحافظ المتشدد والمخضرم حيث أنه يمارس السياسة منذ فترة المستشار الراحل كول وقد انهزم مرارا أمام السيدة ميركل والسيدة أنغريت كرامب كارنباور مؤخرا عام ٢٠١٨ بفارق ضئيل وكان نتيجة وجود ميركل كوجه قائد للحزب وهذا ما سيجعل من ترشحه كرئيس جديد لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ممكننا وهي أيضًا نقطة تحول عميقة من منظور ميونيخ عاصمة ولاية بفاريا والتي يتسيدها الحزب الشقيق للحزب وهذا ما سيضع علاقة الإتحاد بين المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي على المحك،
لأول مرة في تاريخ الحزب سيرأس الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرز الذي هو بالتأكيد أكثر تشددا ومحافظة من رئيس الإتحاد المسيحي الإجتماعي في بافاريا بحيث أن التوزيع القديم للأدوار السياسية الذي كان معمول به في العقود الماضية لم يعد يعمل وهنا سيتعين على الاتحاد القائم بين التوأم المسيحي إعادة اختراع طريقة للعمل معا وإلا فإن الإتحاد سيكون عرضة للتفكك بل وان المسيحي الإجتماعي سيكون عرضة للعزلة ومن ثم الموت سريريا ربما،
فريدريك ميرز وزعيم حزب المسيحي الإجتماعي ماركوس سودر متحدان بشكل أساسي بسبب كرههما المتبادل لم يخف ميرز رؤية سلوك سودر على أنه (أنيق، وقليل الاحترام، وفي بعض الأحيان صاخب) ولا يخفي سودر تصديقه أن ميرز هو رجل الماضي لذلك اتوقع بأن ميرز وسودر سيدعوان الآن إلى وحدة الاتحاد ولكن قبل كل شيء عليهم إيجاد تسوية مؤقتة بينهم يمكن القول بأن الشخصيتين يشتركان في شيء واحد على الأقل في المزاج والأسلوب والمباشرة والصرامة،
الاختبارات الأولى للمسيحي الاجتماعي ستكون قريبة حيث ستجري في العام المقبل ٤ انتخابات محلية في الولايات وفي عام ٢٠٢٣ ماركوس سودر على وشك خوض الإنتخابات في ولاية الحزب التقليدية بافاريا في الاستطلاعات الحالية فإن حزب المسيحي الإجتماعي في وضع سيئ تاريخيًا فقد وصل في الانتخابات الفيدرالية الماضية إلى ٣١.٧٪ في بافاريا،
في غضون ثلاث سنوات سيتعين على فريدريك ميرز وماركوس سودر الاتفاق على من سيترشح بينهما لمنصب المستشار من وجهة نظر الحزب المسيحي الإجتماعي يجب أن يكون الدرس المستفاد من انتخابات عامنا الحالي هو وضع الشخص الذي لديه أفضل الفرص وقد أشار ميرز بالفعل إلى أنه بصفته رئيسًا لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي سوف يطالب بالترشح لمنصب المستشار وبرأي شخصي ان كلا الطرفين لن ينجحا في قيادة الاتحاد لمكان مهم اذا استمر هذا الوضع فإن أكبر احزاب المانيا سيعيش حالة عاشها حزب الاشتراكيين الديمقراطيين سابقا.
No comments:
Post a Comment