Friday, 15 October 2021

الترمبية من أين إلى أين؟! [٢]

١٥ أكتوبر ٢٠٢١

منذ سنتين على الأقل وأنا أكتب عن الرئيس الأميركي الأسبق دونالد جون ترمب وأؤكد أنني (كمعلق) أكتب عنه ك (ظاهرة سياسية مختلفة) استطاع لوحده أن يؤسس حركة شعبية ضخمة غيّرت وجه الولايات المتحدة الأمريكية السياسي للأبد
كنت قد كتبت مقالا بجزءه الأول وسيكون هناك جزءا ثالثا متعلق بمستقبل الترمبية وترمب نفسه
لماذا أكتب هذا المقال؟! ولماذا سأكتب جزءا ثالثا منه؟! 
لأن أشرس خصوم ترمب السياسيين طبعا صحيفة الواشنطن بوست نشرت قبل أيام تقريرا يتقاطع مع رؤيتي للظاهرة الترمبية

‏كاتب التقرير هو روبرت كاغان وهو أكاديمي وباحث جمهوري ينتمي للمحافظين الجدد ومن أنصار الرئيس بوش الإبن وليز تشيني وبعد فوز ترمب بترشيح الحزب الجمهوري في عام ٢٠١٦ احتج كاغان وترك الحزب الجمهوري وساند المرشحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي السيدة هيلاري كلينتون
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا كيف لجمهوري محافظ أن يساند الديمقراطيين؟! هذا سرّ لا تعلمه سوى دولة المؤسسات الديمقراطية الأمريكية

‏تقرير الواشنطن بوست يُحذّر من ظاهرة ترمب ويبدأ التقرير بشكل صارخ: "قد تواجه امريكا -خلال الثلاث لأربع سنوات قادمة- أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة منذ الحرب الأهلية" ويتنبأ كاغان بأنه قد يحدث عنف جماعي شديد وانهيار للسلطة الفيدرالية وقد تنقسم البلاد لجيوب زرقاء وحمراء متحاربة ‏حسب التقرير يتمحور عدم فهم مؤسسة واشنطن لترمب في أنها تراه كسياسي محافظ تتبعه جماهير محافظة وهذا خطأ من حيث التفصيل وليس المبدأ لأن أنصار ترمب ليسوا فقط جمهوريين محافظين بل ديمقراطيين سابقين ومحايدين وولاءهم ليس للحزب الجمهوري بل لزعيم يملك كاريزما وهو ترمب

خطورة ظاهرة ترمب تنبع من أن الجماهير لم تناصره لأسباب تتعلق بالإقتصاد والهجرة وغيرها بل تناصره لأنها ترى أن امريكا تم اختطافها من الإشتراكيين والأقليات والمنحرفين وأن ترمب هو الزعيم الذي سيتحدّى كل هؤلاء ويستعيد امريكا منهم ترمب بالنسبة لأنصاره يمثّل هوية امريكا الحقيقية من يريد فهم المشهد يجب أن يتابع عروض المصارعة الحرة WWE الأمريكية ‏يتوهم خصوم ترمب أن هجومهم عليه سيجعل أنصاره يتخلّون عنه أنصار ترمب يعتقدون أنه ضحية ينهشها الإعلام والنخب وبالتالي فهو ضحية مثلهم وهذا يزيد تعلّقهم به
حيث يؤكد تقرير كاغان: "لم يسبق عبر تاريخ امريكا أن أصبحت علاقة الأنصار بالزعيم وطيدة كما هي بين ترمب وأنصاره"
وقول ‏تقرير الواشنطن بوست: "يعتقد كثيرون أن أنصار ترمب هم البيض المتطرفين" وهذا خطأ من حيث التفصيل وليس من حيث الجملة حيث يضيف التقرير نصا: "معظم مناصري ترمب هم من الطبقة الوسطى وفي منتصف العمر من الطبقة العاملة وبعضهم يملكون مؤسسات صغيرة وهم آباء صالحون وناشطون اجتماعيا وقد أثار ترمب حماسهم"

‏تقرير كاغان في الصحيفة يتوقع بأن ترمب سيصبح هو المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة لعام ٢٠٢٤ ولن يستطيع أحد منافسته لأن ٩٠٪ من الجمهوريين يناصرونه وهنا يبدأ التقرير في مقارنة ظاهرة ترمب بالحركات الفاشية في اوروبا!!! ويحذّر من أن أنصار ترمب مستعدون لعمل أي شئ لضمان فوزه وينتقد تقرير كاغان الحزب الجمهوري الذي استثمر ترمب لتحقيق انتصارات على حساب الديمقراطيين (ترشيحات قضاة المحاكم مثالا) ولكنهم أيضا منحوه القوة ليختطف الحزب و ٩٠٪ من جماهيره مع العلم أن الحزب الجمهوري بقيادة مكونيل حاول مرارا وتكرارا عزل ترمب وتحجيمه!!! و‏يواصل التقرير نقد الجمهوريين ساسة واعلاميين وأثرياء داعمين الذين استسلموا لسيطرة ترمب على الحزب وحتى كبار ساسة الجمهوريين المتقاعدين الذين لا يأملون بمناصب لم ينطقوا بحرف ضد ترمب ويمكن التعليق ب وهل تخفى قوة وسطوة الجماهير على أكاديمي وباحث بحجم روبرت كاغان؟!

‏أطرف ما ورد في التقرير هو أن الحرب السياسية حاليا ليست بين إدارة بايدن والحزب الجمهوري بل بين إدارة بايدن من جهة وترمب -الذي يعتبر خارج السلطة- وأنصاره من جهة أخرى ‏التقرير يتنبأ بأن يفوز الجمهوريون بانتخابات الكونجرس النصفية في ٢٠٢٢ وبعدها سيعلن ترمب ترشحه للرئاسة وستضطر منصات التواصل الاجتماعي ك فيسبوك وتويتر لإعادة حساباته كمرشح رئاسي ويضيف التقرير بأن ترمب سيكون أقوى هذه المرة ثم يبدأ كاغان بالحديث عن الهدف الحقيقي من تقريره: ماذا يجب أن نعمل لتفادي ظاهرة ترمب؟! ‏يقترح كاغان أن يتخلى خصوم ترمب الجمهوريين في الكونجرس ميت رومني وساسي ورفاقهم عن الحزب الجمهوري ويتعاونوا مع الديمقراطيين للتصدّي لترمب في حال خسر الإنتخابات القادمة حتى لا يصبح هناك أزمة سياسية ودستورية
أتساءل هنا ألم يقف هؤلاء الجمهوريين مع الديمقراطيين في الإنتخابات الماضية؟!

‏انتهى ملخص التقرير وهنا تعليقي
في تقديري أن روبرت كاغان كتب التقرير في البوست بعد أن تيقّنت دولة المؤسسات الصلبة الحاكمة أن ظاهرة ترمب أصبحت بالفعل تشكّل خطرا على الحراك السياسي في امريكا فقد جرت العادة أن يكون المرشح الرئاسي من داخل دائرة واشنطن ويلتزم بقوانينها وأعرافها ‏ترمب جاء من خارج دائرة النخب في واشنطن دون خبرة سياسية سابقة ثم بعد أن تيقّن من شعبيته الجارفة قرّر بسذاجة مواجهة وتحدّي دولة المؤسسات الصلبة العريقة الشرسة وذات المخالب والأنياب وقد دفع ثمن ذلك
حيث كانت دولة المؤسسات تأمل -كما ذكر تقرير كاغان في الواشنطن بوست- أن يختفي لكن لم يحصل
‏ترمب لا زال يعمل ويصدر البيانات والتزكيات للمرشحين ويحضر التجمعّات وقد عمل ريجيم صحي -حسب طبيبه- ولا يخفي تلميحاته بالعودة وشعبيته -حتى حسب تقرير الواشنطن بوست- تشهد ارتفاعا في ظل وجود رئيس ضعيف وإدارة مرتبكة وسياسات في معظمها كارثية داخليا وخارجيا وهذه بيئة يحلم بها ترمب وأنصاره.

No comments:

Post a Comment

Das Schweigen von Bundeskanzlerin Merkel ist ebenso traurig wie es ein Spiegelbild dessen ist, was ich die dunkle Seite von Merkels politischer Persönlichkeit nenne!

Vor drei Jahren verließ die ehemalige Bundeskanzlerin Angela Merkel scheinbar freiwillig, aber nicht ganz so freiwillig Merkel hinterließ de...