٢٣ يناير ٢٠٢١
الآن بعد أن تم تسليط الضوء على سياسة ألمانيا الخارجية تحديدا (المثيرة للاهتمام) تجاه روسيا سألني الكثير من الأصدقاء لماذا تتصرف ألمانيا بالطريقة التي تتصرف بها الآن تجاه الملف الأوكراني في ظل تنديد غربي على احتمالية وشيكة لعدوان روسي على أوكرانيا؟!
يمكنني البدء باختصار أن التصورات الألمانية مختلفة للطريقة التي تعمل بها باقي دول حلف شمال الأطلسي الناتو من نواحي عدة حيث تعتمد العقلية الألمانية على عوامل ثلاث رئيسية:
1️⃣ عوامل تاريخية
2️⃣ مصالح اقتصادية في المنظورين القريب والبعيد
3️⃣ الرأي العام والسياسة الحزبية الألمانية
بعض سلوكيات برلين لا علاقة لها بروسيا أو أوكرانيا على وجه الخصوص فالعديد من الألمان لديهم عدم قدرة على تقبل فكرة أن القوة العسكرية مهمة في السياسة الدولية.
فبالنسبة للعقلية الألمانية تعتبر القوة العسكرية ليست شرًا وحسب بل إنها عديمة الفائدة أيضًا ونظرًا لكون القوة العسكرية لا يمكنها حل أي مسألة فليس هناك جانب إيجابي لمنح الأسلحة إلى (مناطق النزاعات) كأوكرانيا حيث يمكن ببساطة أن تجعل كل شيء أسوأ ولذلك فإن شركات الأسلحة الألمانية في معظمها خاصة ولا تستخدمها الدولة كمردود مادي كفرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مثلا!
المحللين والمعلقين الذين يعتقدون أن سلوك ألمانيا يتعلق بالسعي المتعمد لتحقيق مصلحتها الوطنية على حساب الحلفاء يخطئون في قراءة العقلية الألمانية لأن الكثير من الألمان يعتقدون حقًا أن موقفهم هو الأفضل من الناحية الأخلاقية وهنا يعتقد الألمان أن التاريخ مهم لعدم تكرار أخطاءه فهناك التزام في أذهان العديد من الألمان بعدم المبالغة في التعامل مع روسيا لأن الألمان قتلوا ملايين الروس خلال الحرب العالمية الثانية ولكن فإن نفس طريقة التفكير هذه لا تمتد إلى أوكرانيا على الرغم من أن الألمان قتلوا أيضًا ملايين الأوكرانيين لكن الألمان يكررون فكرة لا تفعل ذلك فقط حيث يعتقد الألمان بإن منح السلاح لأوكرانيا لا يخدم الأوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم بحيث أن منح السلاح الألماني سيساعد في قتل الروس وفتح باب الإنفلات الأمني في أوكرانيا وهذا سيجعل كل شيء أسوأ وسيخلق فرصة لإفراغ أوكرانيا من خلال اللجوء لأوروبا
وبغض النظر عن المسألة الأخلاقية لدى العقلية الألمانية ليس هناك ما هو أكثر أهمية للألمان من السعي وراء المصالح الاقتصادية قصيرة المدى حيث تعتقد العقلية الألمانية بأننا اذا كنا نستطيع تفعيل خاصية التجارة بحرية مع الجميع ولا نقلق بشأن الاعتبارات الأمنية أو السياسية الأخرى فلماذا لا نفعل ذلك؟ وهذا ما تفعله ألمانيا
من الناحية الجيوسياسية يمكن لبرلين بالطبع إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية بدقة فهي آمنة للغاية قد يتم غزو الأوكرانيين أو الجورجيين أو الإستونيين من قبل الروس لكن حتى لو لم يكن الناتو موجودًا فمن المحتمل ألا يستعيد الروس برلين في أي وقت قريب حيث إذا ناقشت مسألة القوة العسكرية مع الألمان فغالبًا ما سيردوا: "حسنًا من الذي سيغزونا؟!" هذا يفقد الأهمية لفكرة الحدود ولكنه منطقي أيضًا بحيث يعتقد الألمان بأن لا أحد يهاجم ألمانيا على الأقل ليس قبل مهاجمة عشرات الدول الأخرى
هذا يقودنا إلى الرأي العام إذا كنت تشعر بالأمان مثل الألمان وتعتقد أن القوة العسكرية ليست شريرة وحسب ولكنها عديمة الفائدة أيضًا فلماذا تدعم السياسة الخارجية الألمانية القوة العسكرية؟! حسنًا معظم الألمان لا يفعلون ذلك السياسيون يعرفون ذلك وهذا ما يجعلهم يترددون في تغيير المسار
أخيرًا وليس آخرًا ينظر للسياسات الحزبية على أنها تقييد كثيرا
حيث في ألمانيا إذا تم انتخابك زعيمًا لحزب الخضر أو الديمقراطيين الاجتماعيين أو الديمقراطيين المسيحيين غدًا فيجب ألا تكون قلقا بشأن الرأي العام وحسب بل عليك أيضًا القلق بشأن ترتيب حزبك بين الأحزاب الستة وترتيب الأولويات
وسيتم سؤالي هنا ما الذي يقلق في ترتيب حزبك وترتيب الأولويات؟! سياسة استعداء موسكو وعسكرة الألمان مهما كان حزبك في برلين فإنك ستتلقى مكالمات غاضبة من مؤسسات الدولة فالنخب الألمان تلتقط هذه الاحداثيات بحساسية بالغة والمحللين الذين يشيرون إلى أن المصالح الإقتصادية على أنها العامل الرئيسي الذي يؤثر على سياسة ألمانيا الخارجية فإنهم يقللون من شأن الإحداثيات التي كتبتها أعلاه
لقد رأيت بعض الناس غير الألمان يجادلون بأن هذا كله بسبب الحمض النووي للألمان والاستعداد الجيني للعدوان أو الرغبة في قيادة قوية ارى أن هذا الجدل نوع من أنواع الهراء.
وعلى أي حال هذا موضوع معقد ومن الواضح أن مواقع التواصل الاجتماعي ليس المكان المناسب للحديث حول هذه الفوارق الدقيقة لذا فإن كل شيء في هذا الموضوع هو تبسيط مفرط ولكن آمل أن يكون مفيدًا أو ممتعًا لبعضكم.
No comments:
Post a Comment