٣٠ يونيو ٢٠١٨
يقول المفكر الراحل الرائع جورج طرابيشي: "كل حديث عن الإصلاح السياسي مع الابقاء على المنظومة المعرفية القديمة والمفاهيم التقليدية إنما هو نقش على ماء" الإصلاح كلمة ثلاثية الأبعاد كيف نفهم ذلك؟ هناك قاعدة في الموروث الديني الإسلامي حسب مفهومي الخاص وليس حسب المفهوم الدارج وقد جاءت على النحو الآتي: (إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى) كيف يكون الاصلاح مفهوما ثلاثي الأبعاد البعد الأول يتلخص بالعمل لأنها تقدمت على النية العامة والنية الخاصة للمسؤول وايضا النية الخاصة لأفراد المجتمع اما البعد الثاني فيمكن القول أنها النية العامة ويقصد بها هنا الإرادة الحقيقية للاصلاح والانتاج اما النية الخاصة بالمسؤول والخاصة بالفرد هي نتاج النية العامة للمجتمع،
رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز شخصية ولغاية الآن يقدم اداءا مقبولا (ضمن معطيات صلاحياته) لكن في رأيي الشخصي المتواضع الخطوة الجميلة التي يريد الدكتور الرزاز الغوص فيها وهي التحدث عن الورقات النقاشية الملكية لأن فيها الشئ الكثير من السير على خطة الدولة المدنية المطلوبة (على الأقل من وجهة نظر البعض) الإصلاحات التي يتحدث عنها الدكتور الرزاز اصلاحات مجدية (نظريا) حيث القيام بتخفيف الرواتب الحكومية بل وقد بدأت بالوزراء وهذا نظريا وهذه احدى النقاط الموجودة في الورقات الملكية النقاشية كما انها احدى التوصيات التي ارسلها الدكتور الرزاز الى الملك،
ولكن السؤال الأهم في ظل هذه الاجراءات التي يقوم بها الدكتور الرزاز هل المجتمع مستعد للاصلاح من ناحيته؟! عندما تكلم الملك عبدالله الثاني عن اهمية الكلام والافصاح والتحرك المجتمعي ما قصده الملك هو تغير النهج الفكري للمجتمع والتشارك في الرؤى وليس اختزال الوطن بفكرة اما انا او انت لأن المرحلة تقتضي ان يكون أفراد المجتمع متشاركيين والهدف التنوع واستخدام جميع المعطيات بنوعية وذكاء لتشكيل ما يسمى العقد الاجتماعي لكن كل ذلك سيبقى أدراج النظرية ما لم يجب افراد المجتمع ومؤثريه الإجابة عن الأسئلة التالية هل الأردنيين مستعدين لتخلص من أيديولوجياتهم وتحزباتهم واصطفافاتهم واعادة توجيه بوصلتها للوطن عامة؟ هل الأردنيين جاهزين لتخلص من افكار وعقود مجتمعية بالية مثل العشائرية والحزبية الموحدة والمناطقية؟! هل الأردنيين جاهزيين لتقبل النقد حتى لو توجه تجاه اي احد او اي فكرة؟ هل الأردنيين مستعدين لتخلص من بنوية الافكار العقائدية العاطفية الموروثة؟،
ذكرتني هذه التساؤلات بمقولة للراحل الطرابيشي: "العقل لا يكون عقلا إلاّ إذا كان نقديا" واتبعها قائلا: "مجتمع يريد الديمقراطية في السياسة ولا يريدها في الفكر ولا على الأخص في الدين هو مجتمع يستسهل الديمقراطية ويختزلها في آن معا" و قال أيضا: "عدو الديمقراطية هو تصوير الديمقراطية على أنها الخلاص وكبرى مشكلات العالم العربي أننا اختصرنا الديمقراطية إلى أحد مظاهرها وهو صندوق الاقتراع" ومن جمله الكثيرة نستطيع القول قبل المطالبة بتغير مجلس البرلمان ليس حلا عمليا اطلاقا فقبل الاختيار يجب وضع معايير الاختيار وعرضها على المجتمع سواء من خلال الاستفتاءات او مراكز الفكر الاستراتيجية وبعد الاتفاق تعليمها للمجتمع والعمل على تحديثها ووضع خطة ممنهجة لها فأن يعطل البرلمان عشر سنوات خير من بقائه سلبيا بلا حراك فالقراءة والوعي يحتاجان وقتا حتى يقتنع المجتمع بفكرة التشارك و التنوع من مقولات الطرابيشي كذلك: "من قبل ما كنت أقرأ -والقراءة هوايتي الكبرى- إلا مع أو ضد ومن بعد صرت أقرأ بعيداً عن همّ المع أو الضد من قبل كنت أقرأ لأحكم ومن بعد صرت أقرأ لأعرف من قبل كنت أرد كل ما أقرأه إلى ما أعرفه.. ومن بعد صرت أنطلق مع كل ما أقرأه إلى ما لا أعرفه" و اضاف قائلا: "إن الانفتاح على الحداثة هو الذي يمكن أن يطرح على التراث أسئلة جديدة وأن يستنطقه أجوبة جديدة وأن يعيد صياغته في إشكاليات جديدة"،
بالنهاية الجهل العدو الوحيد واصلاح المنظومة بالنقد والسؤال لينتج وعيا كافيا للمضي قدما.